فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحج: الآيات 8- 13]:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هدى وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَانَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالآخرةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}.

.اللغة:

{ثانِيَ عِطْفِهِ}: الثني: اللي وفي القاموس ثنى يثني الشيء عطفه وطواه ورد بعضه على بعض وكفه والعطف: الجانب يعطفه الإنسان ويلويه ويميله عند الاعراض عن الشيء وهو تعبير يراد به التكبر.
{حَرْفٍ}: طرف وسيأتي تفصيل معناه في باب البلاغة.

.الإعراب:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هدى وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} {ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم}: تقدم القول فيها مفصلا فجدد به عهدا، {ولا هدى} عطف على {علم} {ولا كتاب منير} عطف أيضا وسيأتي القول في تكرير هذه الآية في باب البلاغة.
{ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} {ثاني} حال من فاعل {يجادل} وانما نصبه على الحال والحال من شرطها أن تكون نكرة لأن إضافته بنية الانفصال والتنوين مراد كالمنطوق به و{عطفه} مضاف وثني العطف سيأتي بحثه في باب البلاغة، و{ليضل} للام للتعليل أو للعاقبة والصيرورة ولعلها أولى لملاءمة السياق و{يضل} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والفاعل مستتر تقديره هو و{عن سبيل اللّه} متعلقان بيضل أي عن دينه.
{لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ} {له} خبر مقدم و{في الدنيا} حال لأنه كان صفة لخزي وتقدم على القاعدة المشهورة و{خزي} مبتدأ مؤخر {ونذيقه} الواو عاطفة و{نذيقه} فعل وفاعل مستتر ومفعول به {ويوم القيامة} ظرف متعلق و{عذاب الحريق} مفعول به ثان وجملة {له في الدنيا} حالية.
{ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {ذلك} مبتدأ و{بما} خبر وجملة {قدمت} صلة و{يداك} فاعل و{أن} عطف على {قدمت} فهي في محل جر وان واسمها وجملة {ليس} خبرها واسم ليس مستتر تقديره هو والباء حرف جر زائد وظلام اسم مجرور لفظا منصوب محلا خبر {ليس} و{للعبيد} جار ومجرور متعلقان بظلام وجملة {ذلك بما قدمت يداك} مقول قول محذوف وجملة القول حالية.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ} الواو عاطفة أو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حال المرتابين في إيمانهم الشاكين في دينهم {ومن الناس} خبر مقدم {ومن} نكرة موصوفة وهي مبتدأ مؤخر أي موصوفة بالعبادة القلقة غير المستقرة ولا الثابتة، فهي عرضة للاهواء يعصف بها أقل ما يحدث لهم من بلاء أو ضر وجملة {يعبد اللّه} صفة لمن و{على حرف} حال من فاعل {يعبد} أي مضطربا مترجرجا وسيأتي مزيد بيان لهذا التعبير في باب البلاغة.
{فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَانَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالآخرةَ} فإن الفاء عاطفة وإن شرطية و{أصابه} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والهاء مفعول به و{خير} فاعل و{اطمأن} فعل ماض في محل جزم جواب الشرط و{به} متعلقان باطمأن {وإن} الواو عاطفة على إن الأولى و{أصابته فتنة} عطف على ما تقدم وانقلب جواب الشرط و{على وجهه} حال أيضا وجملة {خسر الدنيا والآخرة} حال أيضا من فاعل {انقلب} ولك أن تجعلها جملة مستأنفة أو تبدلها من جملة {انقلب على وجهه} و{الدنيا} مفعول {خسر} {والآخرة} عطف على {الدنيا}.
{ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} {ذلك} مبتدأ و{هو} مبتدأ ثان و{الخسران} خبر {هو} والجملة خبر {ذلك} و{المبين} نعت للخسران والجملة مستأنفة ولك أن تجعل {هو} ضمير فصل.
{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} يجوز أن تكون هذه الجملة حالا من فاعل {يعبد} ويجوز أن تكون مستأنفة و{يدعو} فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو و{من دون اللّه} حال و{ما} اسم موصول مفعول به و{لا} نافية وجملة {لا يضره} صلة {وما لا ينفعه} عطف على الجملة السابقة و{ذلك هو الضلال البعيد} تقدم إعراب نظيرتها.
{يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} الجملة بدل من جملة {يدعو} السابقة فهي بمثابة التكرير لها ولا محل لها، و{يدعو} فعل مضارع واللام للابتداء أو هي موطئة للقسم ومن اسم موصول مبتدأ و{ضره} مبتدأ ثان و{أقرب من نفعه} خبر {ضره} وجملة {ضره أقرب من نفعه} صلة من، وجملة {لبئس المولى} خبر من ويرد على هذا الإعراب دخول لام الابتداء على الخبر وهو ضعيف من حيث القواعد النحوية إلا أن يقال أن اللام كررت للمبالغة ولك أن تجعل {يدعو} من أفعال القلوب متضمنة معنى يزعم لأن يزعم قول مع اعتقاد فتكون جملة {لمن ضره أقرب من نفعه} في محل نصب على المفعول به لأن لام الابتداء معلقة لها عن العمل أو يكون {يدعو} بمعنى يقول ومن مبتدأ و{ضره} مبتدأ ثان و{أقرب} خبره والجملة صلة من وخبر من محذوف تقديره إله أو إلهي وموضع الجملة نصب بالقول. وجملة {لبئس} مستأنفة لأنها لا يصح دخولها في الحكاية لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم {لبئس المولى ولبئس العشير} وهناك وجه آخر مقبول وهو أن تكون اللام زائدة في المفعول به ليدعو ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد اللّه {يدعو من ضره} بغير لام الابتداء فمن مفعول {يدعو} و{ضره} مبتدأ و{أقرب} خبر والجملة صلة من وقد اختار الجلال السيوطي هذا الوجه ودعمه شارحوه أما الزمخشري فهذا نص عبارته:
استعير الضلال البعيد من ضلال من أبعد في التيه ضالا فطالت وبعدت مسافة ضلالته فإن قلت: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا تناقض؟ قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم وذلك ان اللّه تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا ولا نفعا وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستشفع به حين يستشفع به ثم قال: يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعُاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها له {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أو كرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون اللّه ما لا يضره وما لا ينفعه ثم قال: {لمن ضره} بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا لبئس المولى وفي حرف عبد اللّه من ضره بغير لام. فكأن الزمخشري رحمه اللّه أجمل الأعاريب التي أوردناها على أن هناك أوجها عديدة سلكها المفسرون تربو على سبعة أوجه ولَكِنها كلها بعيدة عن المنطق نورد لك منها على سبيل المثال رأي الفراء قال: إن التقدير يدعو من لضره ثم قدم اللام على موضعها. ولا يخفى ما فيه من التعسف وتقديم ما في صلة الذي عليها.
وثمة رأي لا يقل عن هذا غرابة وشذوذا وهو أن يكون ذلك بمعنى الذي في موضع نصب بيدعو أي يدعو الذي هو الضلال ولَكِنه قدم المفعول وهذا يتمشى على قول من جعل ذا مع غير الاستفهام بمعنى الذي مع انه منحصر في قولك ماذا ومن ذا؟
وثمة رأي آخر أشد استحالة وهو أن يكون التقدير ذلك هو الضلال البعيد يدعوه. فذلك مبتدأ وهو مبتدأ ثان أو بدل أو ضمير فصل والضلال خبر المبتدأ ويدعوه حال والتقدير مدعوا وهو وجه يدعو على نفسه بالوهن كما ترى، وإنما أوردنا هذه الآراء لنخلص إلى القول إن هذه الآية من المشكلات التي شغلت علماء النحو والتفسير ولم يأتوا فيها بما ينقع الغليل وكلام اللّه المعجز أسمى من أن تطاله القواعد التي وضعها الإنسان.
و{بئس} فعل ماض جامد لإنشاء الذم و{المولى} فاعل والمخصوص بالذم محذوف تقديره هو، {ولبئس العشير} معطوف على قوله: {لبئس المولى}.

.[سورة الحج: الآيات 14- 17]:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ (17)}.

.اللغة:

{الْمَجُوسَ}: أطلق المجوس على فئة من الكهّان كان لهم الدور الخطير في الديانة الايرانية القديمة ولاسيما في العهد الساساني وقد أطلق الاسم على فئات من المنجمين والعلماء، وجاء ذكر المجوس في إنجيل متى، كانوا من رجال علم الفلك وقد استناروا بوحي خاص عن مجيء المسيح أتوا من منطقة لم تبعد عن فلسطين شرفا على ما يظن يهديهم نجم في السماء إلى أن وصلوا إلى بيت لحم وقدموا للمسيح الطفل هداياهم وقد ذكر التقليد الشعبي أنهم كانوا ثلاثة ومن سلالة ملوكية، وأطلق العرب المجوس على قرصان النورمان والسكندينافيين الذين حاولوا في القرون الوسطى اقتحام السواحل والحدود في بلاد الغرب الاسلامي، هذا وقد اختلف أهل العلم في المجوس فقيل هم قوم يعبدون النار وقيل الشمس وقيل هم القائلون بأن للعالم أصلين النور والظلمة، وقيل: هم قوم يستعملون النجاسات والأصل نجوس فأبدلت الميم نونا، هذا وقد تقدم تفسير ألفاظ هذه الآية إلا المجوس.

.الإعراب:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ} ان واسمها وجملة {يدخل} خبر و{الذين} مفعول به وجملة {عملوا الصالحات} عطف على {آمنوا} والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير مصير المؤمنين الذين يعملون الصالحات، و{جنات} مفعول به ثان على السعة أو نصب بنزع الخافض وجملة {تجري من تحتها الأنهار} صفة لجنات وجملة {إن اللّه يفعل ما يريد} مستأنفة لتعليل ما تقدم وان واسمها وجملة {يفعل} خبر وفاعل {يفعل} مستتر تقديره هو و{ما} مفعول به وجملة {يريد} صلة.
{مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآخرةِ} {من} شرطية مبتدأ أو موصولة فتكون الفاء فيما بعد رابطة للتشبيه بالشرط والأول أرجح، و{كان} فعل ماض ناقص واسمها مستتر يعود على {من} وجملة {يظن} خبر وفاعل {يظن} مستتر يعود على {من} وأن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف ضمير الشأن وجملة {لن ينصره اللّه} خبرها وان وما بعدها سدت مسد مفعولي يظن وفي الدنيا متعلقان بينصره والآخرة عطف على الدنيا.
{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ} الفاء رابطة لجواب الشرط واللام لام الأمر ويمدد فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والفاعل مستتر تقديره هو و{بسبب} متعلقان بيمدد و{إلى السماء} صفة لسبب والمراد بالسماء سقف البيت، {ثم ليقطع} عطف على {فليمدد} و{هل} حرف استفهام و{يذهبن} فعل مضارع مبني على الفتح و{كيده} مفعول به و{ما يغيظ} فاعل {يذهبن} وجملة {يغيظ} صلة وجملة {هل يذهبن} في موضع نصب بينظر وسيأتي تفصيل واف لهذه الآية في باب البلاغة.
{وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} الواو عاطفة و{كذلك} نعت لمصدر محذوف و{أنزلناه} فعل وفاعل ومفعول به و{آيات} حال من الهاء و{بينات} صفة و{أن اللّه} عطف على هاء {أنزلناه} والمعنى وأنزلنا أن اللّه يهدي من يريد هدايته ولك أن تجعل الواو للحال وأن وما في حيزها في محل رفع لمبتدأ مضمر أي والأمر أن اللّه يهدي من يريد وأن واسمها وجملة {يهدي} خبرها ومن مفعول {يهدي} وجملة {يريد} صلة من.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ان واسمها وجملة {آمنوا} صلة وما بعده عطف على الذين والجملة ابتدائية.
{إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} إن الثانية واسمها وخبرها في محل رفع خبر ان الأولى وسيأتي السر في تصدير الجملتين بإن أو تجعل الثانية تأكيدا للأولى، ويكون قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ} هو الخبر، وإن واسمها وعلى كل شيء متعلقان بشهيد وشهيد خبر إن وقيل الخبر محذوف تقديره معترفون أو نحو ذلك وما ذكر تفسير له.

.البلاغة:

1- الإيجاز والتمثيل:
في قوله تعالى: {مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} إلى قوله: {ما يغيظ} الإيجاز والتمثيل فأما الإيجاز فلأن معناه من كان يظن من حاسدي محمد ومبغضيه أن اللّه لن ينصره وانه يفعل شيئا مغايرا للنصر ومن كان يغيظه أن محمدا يظفر بمطلوبه ويبلغ ما هدف إليه من المثل العليا التي رسمناها له فليستقص وسعه وليستفرع جهده، فلن يكون مثله إلا مثل من يأخذ حبلا يمده إلى سماء بيته فيخنق نفسه به ثم بعد ذلك كله ليعد النظر والتأمل مجددا ليرى هل ذهب نصر اللّه الذي يغيظه ويقض مضجعه، وهل ذهب عنه ما كان يساوره من حرقة وارتماض؟
وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه ومنه قيل للبهر القطع والبهر تتابع النفس، وقال الجوهري في الصحاح: وقوله تعالى: {ثم ليقطع} قالوا ليختنق لأن المختنق يمد السبب إلى السقف ثم يقطع نفسه من الأرض حتى يختنق تقول منه: قطع الرجل أي اختنق ولبن قاطع أي حامض قلت والعامة تستعمل هذا التعبير فيما يذهب خيره ويبلى وهو عربي فصيح. وسمي هذا الفعل كيدا لأنه وضعه موضعه إما لأنه لا يستطيع سواه ولا يملك غيره وإما على سبيل الاستهزاء وقد توسع المفسرون في هذه الآية وذهبوا بها مذاهب شتى فقالوا: ويجوز أن يراد فليمد حبلا إلى السماء المظلة وليصعد عليه ثم ليقطع الوحي. وقال آخرون: النصر هو الرزق وأن الأرزاق بيد اللّه لا تنال إلا بمشيئته ولابد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن اللّه غير رازقه وليس به صبر ولا استسلام فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقا. وقيل غير ذلك وما ذكرناه أولى وأوفى بالمراد وهو ما يخالج كل حاسد وما يقال لكل من يعترض على ما ليس في طوقه ولا داخل في نطاق أرادته تقول له اشرب البحر، أو اقتل نفسك فليس لك حيلة في تبديل ما هو واقع راهن وأرادة اللّه أقوى.
2- تصدير الجملتين بان:
وفي تصدير الجملتين بإن زيادة في تأكيد الكلام وقد رمقه الشعراء في أشعارهم، قال جرير:
إن الخليفة إن اللّه سربله ** سربال ملك به تزجى الخواتيم

فقوله إن اللّه سربله خبر ان الأولى وكررها لتوكيد التوكيد وسربله كساه بالملك الشبيه بالسربال ويروى لباس ملك وقوله به أي بذلك اللباس أو الملك تزجى أي تساق الخواتيم جمع خاتم بالفتح والكسر والأصل خواتم فزيدت الباء والمراد بها عواقب الأمور الحميدة ومغابها وقال أبو حيان: يحتمل أن خبر إن قوله به تزجى الخواتيم وجملة إن اللّه سربله اعتراضية. ويروى ترجى بالراء المهملة.